فصل: (سورة هود: الآيات 118- 119)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة هود: آية 114]

{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114)}
{طَرَفَيِ النَّهارِ} غدوة وعشية {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وساعات من الليل وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه، وصلاة الغدوة: الفجر. وصلاة العشية: الظهر والعصر، لأنّ ما بعد الزوال عشىّ. وصلاة الزلف: المغرب والعشاء. وانتصاب طرفى النهار على الظرف، لأنهما مضافان إلى الوقت، كقولك: أقمت عنده جميع النهار، وأتيته نصف النهار وأوله وآخره، تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه. ونحوه {وَأَطْرافَ النَّهارِ} وقرئ: {وزلفا}، بضمتين. وزلفا، بسكون اللام. وزلفى: بوزن قربى. فالزلف: جمع زلفة، كظلم في ظلمة. والزلف بالسكون: نحو بسرة وبسر. والزلف بضمتين نحو بسر في بسر. والزلفى بمعنى الزلفة، كما أن القربى بمعنى القربة: وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل. وقيل: وزلفا من الليل: وقربا من الليل، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أي: أقم الصلاة طرفى النهار، وأقم زلفا من الليل، على معنى: وأقم صلاة تتقرّب بها إلى اللّه عز وجل في بعض الليل {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} فيه وجهان، أحدهما: أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفي الحديث: «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر» والثاني: إن الحسنات يذهبن السيئات، بأن يكن لطفًا في تركها، كقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} وقيل: نزلت في أبى اليسر عمرو بن غزية الأنصارى، كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق اللّه، فتركها وندم، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بما فعل، فقال صلى اللّه عليه وسلم: أنتظر أمر ربى، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال: نعم، اذهب فإنها كفارة لما عملت: وروى أنه أتى أبا بكر فأخبره فقال: استر على نفسك وتب إلى اللّه، فأتى عمر رضي الله عنه فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت، فقال عمر: أهذا له خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. وروى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: توضأ وضوآ حسنا وصل ركعتين {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} {ذلِكَ} إشارة إلى قوله: {فَاسْتَقِمْ} فما بعده {ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ} عظة للمتعظين.
وفي رواية لأحمد فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللّه، أله وحده أم للناس كافة؟
وللدارقطنى والحاكم والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ أنه كان قاعدًا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يأتيه الرجل من امرأته إلا أصاب منها غير أنه لم يجامعها.
فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم توضأ وضوآً حسنا ثم صل. فأنزل اللّه تعالى الآية. فقال معاذ: أهى له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة. وأصل الحديث في الصحيحين عن ابن مسعود وجاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنى عالجت امرأة في أقصى المدينة وإنى أصبت منها دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت.
فقال له عمر: لقد سترك اللّه لو سترت على نفسك ولم يرد عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلا. فدعاء فتلا عليه {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ} الآية فقال رجل من القوم: يا رسول اللّه أله خاصة أم للناس؟ فقال: «بل للناس كافة».

.[سورة هود: آية 115]

{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}
ثم كرّ إلى التذكير بالصبر بعد ما جاء بما هو خاتمة للتذكير، وهذا الكرور لفضل خصوصية ومزية وتنبيه على مكان الصبر ومحله، كأنه قال: وعليك بما هو أهمّ مما ذكرت به وأحق بالتوصية، وهو الصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه، فلا يتم شيء منه إلا به {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} جاء بما هو مشتمل على الاستقامة وإقامة الصلوات والانتهاء عن الطغيان والركون إلى الظالمين والصبر وغير ذلك من الحسنات.

.[سورة هود: آية 116]

{فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
{فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ} فهلا كان. وقد حكوا عن الخليل: كل «لولا» في القرآن فمعناها «هلا» إلا التي في الصافات، وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات {لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ}، {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ}، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ}.
{أُولُوا بَقِيَّةٍ} أو لو فضل وخير. وسمى الفضل والجودة بقية لأنّ الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله، فصار مثلا في الجودة والفضل. ويقال: فلان من بقية القوم، أي من خيارهم.
وبه فسر بيت الحماسة:
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ يَأْتِينِى بَقِيَّتُكُمْ

ومنه قولهم: في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا. ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى، كالتقية بمعنى التقوى، أي: فهلا كان منهم ذو وبقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط اللّه وعقابه.
وقرئ: {أولو بقية}، بوزن لقية، من بقاه يبقيه إذا راقبه وانتظره ومنه: بقينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والبقية المرّة من مصدره. والمعنى: فلو كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام اللّه، كأنهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم {إِلَّا قَلِيلًا} استثناء منقطع، معناه: ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهى. ومِنَ في {مِمَّنْ أَنْجَيْنا} حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض، لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم، بدليل قوله تعالى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا}. فإن قلت: هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه؟ قلت: إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام، كان المعنى فاسدًا، لأنه يكون تحضيضًا لأولى البقية على النهى عن الفساد، إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول: هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم، تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن وإن قلت في تحضيضهم على النهى عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا، كان استثناء متصلا ومعنى صحيحًا، وكان انتصابه على أصل الاستثناء، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ} أراد بالذين ظلموا: تاركي النهى عن المنكرات، أي: لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعقدوا هممهم بالشهوات، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف، من حب الرياسة والثروة، وطلب أسباب العيش الهنيء. ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم. وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي، {واتبع الذين ظلموا}، يعنى: واتبعوا جزاء ما أتوفوا فيه. ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة: أنهم اتبعوا جزاء إترافهم. وهذا معنى قوىّ لتقدم الإنجاء، كأنه قيل: إلا قليلا ممن أنجينا منهم وهلك السائر. فإن قلت: علام عطف قوله: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}؟ قلت: إن كان معناه: واتبعوا الشهوات، كان معطوفًا على مضمر، لأنّ المعنى إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد، واتبع الذين ظلموا شهواتهم، فهو عطف على نهوا. وإن كان معناه واتبعوا جزاء الإتراف، فالواو للحال، كأنه قيل: أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم. فإن قلت: فقوله: {وَكانُوا مُجْرِمِينَ}؟ قلت: على أترفوا أي: اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين، لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام. أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر. أو على اتبعوا، أي اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك. ويجوز أن يكون اعتراضًا وحكما عليهم بأنهم قوم مجرمون.

.[سورة هود: آية 117]

{وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117)}
{كانَ} بمعنى صح واستقام. واللام لتأكيد النفي. و{بِظُلْمٍ} حال من الفاعل. والمعنى: واستحال في الحكمة أن يهلك اللّه القرى ظالما لها {وَأَهْلُها} قوم {مُصْلِحُونَ} تنزيها لذاته عن الظلم، وإيذانًا بأن إهلاك المصلحين من الظلم. وقيل: الظلم الشرك، ومعناه أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فسادًا آخر.

.[سورة هود: الآيات 118- 119]

{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً} يعنى لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة أي ملة واحدة وهي ملة الإسلام، كقوله: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} وهذا الكلام يتضمن نفى الاضطرار، وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا، فلذلك قال: {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} إلا ناسًا هداهم اللّه ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه {وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأوّل وتضمنه، يعنى: ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم، ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وهي قوله للملائكة: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} لعلمه بكثرة من يختار الباطل.

.[سورة هود: الآيات 120- 122]

{وَكُلًا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)}
{وَكُلًّا} التنوين فيه عوض من المضاف إليه كأنه قيل. وكل نبأ {نَقُصُّ عَلَيْكَ ومِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ} بيان لكل. {ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ} بدل من كلا. ويجوز أن يكون المعنى: كل واقتصاص نقصّ عليك، على معنى: وكل نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك، يعنى: على الأساليب المختلفة، و{ما نُثَبِّتُ بِهِ} مفعول نقصّ. ومعنى تثبيت فؤاده: زيادة يقينه وما فيه طمأنينة قلبه، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ للعلم {وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ} أي في هذه السورة.
أو في هذه الأنباء المقتصة فيها ما هو حق {وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} من أهل مكة وغيرهم {اعْمَلُوا} على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها {إِنَّا عامِلُونَ} {وَانْتَظِرُوا} بنا الدوائر {إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} أن ينزل بكم نحو ما اقتص اللّه من النقم النازلة بأشباهكم.

.[سورة هود: آية 123]

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيهما، فلا تخفى عليه أعمالكم {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} فلابد أن يرجع إليه أمرهم وأمرك، فينتقم لك منهم {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} فإنه كافيك وكافلك {وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} وقرئ: {تعملون}، بالتاء: أى أنت وهم على تغليب المخاطب.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة هود أعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح ومن كذب به، وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء اللّه تعالى ذلك. اهـ.

.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا}
قال الزجاج: بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته.
{وسلطان مبين} أي: حجة بيِّنة.
قوله تعالى: {فاتَّبَعوا أمر فرعون} وهو ما أمرهم به من عبادته واتخاذه إِلهًا.
{وما أمر فرعون برشيد} أي: مرشد إِلى خير.
قوله تعالى: {يَقْدُمُ قومَه يوم القيامة} قال الزجاج: يقال: قَدَمْت القوم أقدُمهم، قَدْمًا وقُدوما: إِذا تقدمتهم؛ والمعنى: يقدمهم إِلى النار؛ ويدل عليه قوله: {فأوردهم النار} قال ابن عباس: أوردهم بمعنى أدخلهم.
وقال قتادة: يمضي بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار.
قوله تعالى: {وبئس الورد المورود} قال المفسرون: الوِرد: الموضع الذي ترِده.
وقال ابن الأنباري: الوِرد: مصدر معناه: الورود، تجعله العرب بمعنى الموضع المورود؛ فتلخيص الحرف: وبئس المدخل المدخول النار.
قوله تعالى: {وأُتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة}.
في هذه اللعنة قولان:
أحدهما: أنها في الدنيا الغرق، وفي الآخرة عذاب النار، هذا قول الكلبي، ومقاتل.
والثاني: أنها اللعنة في الدنيا من المؤمنين، وفي الآخرة من الملائكة، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {بئس الرفد المرفود} قال ابن قتيبة: الرفد: العطية؛ يقول: اللعنة بئس العطية؛ يقال: رفَدته أرفِده: إِذا أعطيته وأعنته.
والمرفود: المعطى.
قوله تعالى: {ذلك من أنباء القرى} يعني ما تقدم من الخبر عن القرى المهلَكة.
{نقصُّه عليك} أي: نخبرك به.
{منها قائم وحصيد} قال قتادة: القائم: ما يرى مكانه، والحصيد: لا يرى أثره.
وقال ابن قتيبة: القائم: الظاهر العين، والحصيد: الذي قد أبيد وحُصد.
وقال الزجاج: القائم: ما بقيت حيطانه، والحصيد: الذي خُسِف به وما قد امَّحى أثره.
قوله تعالى: {وما ظلمناهم} أي: بالعذاب والإِهلاك.
{ولكن ظلموا أنفسهم} بالكفر والمعاصي.
{فما أغنت عنهم آلهتهم} أي: فما نفعتهم ولا دفعت عنهم شيئًا: {لمَّا جَاءَ أَمْرُ ربك} بالهلاك.
{وما زادوهم} يعني الآلهة: {غير تتبيب} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه التخسير، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، واختاره ابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: أنه الشر، قاله ابن زيد. والثالث: التدمير والإِهلاك، قاله أبو عبيدة. فإن قيل: الآلهة جماد، فكيف قال: {زادوهم}؟ فعنهْ جوابان: أحدهما: وما زادتهم عبادتها. والثاني: أنها في القيامة تكون عونًا عليهم فتزيدهم شرًّا.
قوله تعالى: {وكذلك أَخْذُ ربك} أي: وكما ذُكر من إِهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب أَخْذُ ربك.
{إِذا أخذ القرى وهي ظالمة} وصف القرى بالظلم، والمراد أهلها.
وقال ابن عباس: الظلم هاهنا: بمعنى الكفر.
قوله تعالى: {إِن في ذلك لآية} يعني: ما ذُكر من عذاب الأمم وأخْذِهم.
والآية: العبرة والعظة.
{ذلك يوم مجموع له الناس} لأن الخلق يُحشرون فيه، ويَشهده البَرُّ والفاجر، وأهل السماء والأرض.: {وما نؤخره} وروى زيد عن يعقوب، وأبو زيد عن المفضل {وما يؤخره} بالياء والمعنى: وما نؤخر ذلك اليوم إِلا لوقت معلوم لا يعلمه إِلا الله.